بسم الله الرحمن الرحيم
من اليوم فصاعدا إن شاء الله سأوفيكم بشرح للحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري رحمه الله:
شرح الشيخ عبد المجيد الشرنوبي رحمه الله.
الحكمة الأولى و بالله التوفيق.
من علامة الاعتما د على العمل نقصان الرجا ء عند وجو د الزلل.
يعني أن من علامات تعويل العامل على عمله أن ينقص رجاؤه في رحمة الله
عند وجود زلله . ومفهومه رجحان الرجاء عند التحلي بالعمل والتخلي عن
الزلل وهذه الحكمة إنما تناسب العارفين الذين يشاهدون أن الأعمال كلها من
رب العالمين لملاحظتهم قوله سبحانه في كتابه المكنون : { والله خلقكم و ما
تعملو ن } “ 96 “ الصافات
ص 15
تعملو ن
} فلا يعظم رجاؤهم بالأعمال الصالحة حيث إنهم لا يشاهدون
لأنفسهم عم لا ولا ينقص أملهم في رحمة الله إذا قصروا في الطاعة أو
اكتسبوا زللا لأنهم غرقى في بحار الرضا بالأقدار متمسكون بحبل قضاء {
و ربك يخلق ما يشاء و يختا ر
} “ 68 “ القصص فإن الرضا بالقضاء واجب من
حيث إرادته له ومذموم من حيث الكسب ما انفكت الجهة . وقد قال المصنف
في بعض قصائده:
ولا يمنعه ذنب من رجا ء فإ ن الله غفا ر الذنوب
وأما السالكون فإنما يناسبهم الفرح بصالح العمل وتقديم الخوف المستلزم
لنقصان الرجاء عند وجود الزلل على حد قول الإمام الدردير:
و غلب الخو ف على الرجاء و سرلمولاك بلا تنا ء
لا سيما في هذه الأزمنة التي رقت فيها الديانة وكثرت الجراءة على المعاصي
وقلت فيه الأمانة . فإن الله تعالى جعل الأعمال الصالحة سبب ا لرفع الدرجات
بدار القرار والأعمال الطالحة موجبة للدرك الأسفل من النار قال تعالى : { فأ ما
من أعطى وا تقى “
5 “ و صد ق بالحسنى “ 6 “ فسنيسره لليسرى “ 7 “ و أ ما
{
“ من بخل وا ستغنى “ 8 “ و كذ ب بالحسنى “ 9 “ فسنيسره للعسرى “ 10
الليل وإنما بدأ المصنف بما يناسب مقام العارفين وإن كان مقتضى الترقي
البداءة بمقام السالكين من الحث على حسن المتاب والتمسك بالأسباب
الموصلة إلى الكريم التواب ليكون السالك حسن البداية التي بها تشرق
النهاية . فمقصوده بهذه الحكمة تنشيط السالك المجد في الأعمال ورفع
همته عن الاعتماد عليها واعتماده على محض فضل ذي العزة والجلال . كما
أشار لذلك ابن الفارض بقوله:
تمسك بأذيال الهوى واخلع الحياوخل سبيل الناسكين وإنجلوا
فإنه لم يرد الأمر بترك العبادة لأنه كان من أعظم العباد بل أراد عدم التعويل
عليها والاعتماد على فضل الكريم الجواد . وفي الحديث : " لن يدخل أحد ا
عمله الجنة " قالوا : ولا أنت يا رسول الله . قال : " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله
بفضله ورحمته " . وقد جمع بين هذا الحديث و آية : { ا دخلوا ا لجنة بما كنتم
تعملو ن } النحل “ 32 “ بأن العمل لا يكون معتبر ا إلا إذا كان مقبولا وقبوله
بمحض الفضل فصح أن دخول الجنة بمحض فضل الله وأن العمل سبب ظاهري
متو قف عليه . والله تعالى يوفقنا لما فيه رضاه