النووي الإيراني… غول يهدد البلدان القوية

تصدرت التطورات التي عرفتها الساحة السياسية الإيرانية طليعة الأحداث الأكثر إثارة في العالم لعام 2009 خاصة فيما يتعلق بالملف النووي الذي شغل الرأي العام العالمي واستفز ولا يزال،الدول المتطورة التي لم تخف تخوفها من نجاح التجربة النووية في إيران .

بالإضافة إلى الفوز الساحق لأحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في 12جوان الماضي، والتي أثارت بدورها ضجة واضطرابا داخليا ودوليا بعد أن استحوذ على 64 في المائة من أصوات الناخبين الإيرانيين، لتبدأ ولايته الثانية في مهمة الدفاع عن حق إيران في امتلاك كل ما من شأنه حماية أمنها ومصالحها القومية، بما يعني المضي في مشروعها النووي والتصدي لكل التهديدات الخارجية والضغوطات التي تمارسها القوى العظمى.
هذه الأزمة السياسية التي ترافقت مع وضع اقتصادي صعب نتيجة العقوبات الدولية التي تمنع إيران من تحديث اقتصادها، وتضخم مرتفع بشكل متزايد.
فضلا عن ذلك فإن الأزمة التي اندلعت في الخريف بين طهران والقوى العظمى بخصوص البرنامج النووي الإيراني قد تزيد الوضع تفاقما.
فإيران مهددة بعقوبات اقتصادية دولية جديدة بعد أن أدانتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في نوفمبر لإخفائها وجود مركز ثان لتخصيب اليورانيوم في وسط البلاد محطات استوقفتنا على مشارف نهاية 2009و انطلاق عام ينذر بمخاطر محدقة بإيران على المستويين المحلي والعالمي.
نجاد يفوز بالأغلبية الساحقة والمعارضة لا تستطيع شيئا…
و لأن فوزه بالعهدة الثانية كان قويا جدا وهو الحائز على أكثر من 60 بالمئة من أصوات الناخبين الإيرانيين في اقتراع جوان الماضي، بالإضافة إلى دعمه من طرف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران على خامنئي ومؤيديه من رجال الدين المتشددين الذين يعدون أصحاب القول الفصل في البلاد، لاسيما أن خامنئي يمتلك صلاحيات إقالة أي رئيس، فإن ردة فعل المعارضة كانت شديدة إذ أثارت موجة من الاحتجاجات وصلت إلى تقديم طلب رسمي للطعن في نتيجة الانتخابات إلى مجلس صيانة الدستور لإلغاء نتيجة التصويت، قام به المنافس الرئيسي مير حسين موسوي رئيس الحكومة الأسبق المرشح الإصلاحي الخاسر في الانتخابات،الذي حصل على نصف الأصوات التي فاز بها نجاد.
“موسوي ليست له أي منظمة تذكر فقبل الترشح للانتخابات كان في تقاعد نسبي لمدة عشرين عاما ورغم دعمه من طرف المنظمات الإصلاحية الثلاث في إيران، فهو لا يتزعمها لكن هذه المنظمات التي تحظى بدعم وتنظيم محترمين تشكل نوعا من المعارضة المنظمة، وهي تحظى بشعبية كبيرة لدى طلاب الجامعات.”
و قال معارضو الرئيس الإيراني إن الطريقة التي أعلنت بها النتائج كانت مثيرة للاستغراب ففي كل الانتخابات السابقة، تم فرز الأصوات وإعلان النتائج إقليما بإقليم، لكن هذه المرة جاءت النتائج دفعات بملايين الأصوات كل مرة ونسب المرشحين فيها. كما لم تتغير نسب المرشحين في تلك المجموعات من الأصوات.
كما شهدت إيران مظاهرات عديدة كان يقودها المؤيدون تارة والمعارضين تارة أخرى، حيث خرج مئات الآلاف من الإيرانيين محتجين في عدة مدن، كما اشتبك المتظاهرون وسط طهران مع قوات الأمن وحطموا وأحرقوا عددا من المباني والحافلات، راح ضحيتها عديد القتلى وإلقاء القبض على مئات الأشخاص…. وضع مزري أغرق إيران في واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخها، بعد ثلاثين سنة على قيام الثورة الإسلامية.
و بالرغم من كل ذلك إلا أن مجلس صيانة الدستور الإيراني أكد في نهاية شهر جوان فوز نجاد معلنا صحة النتائج وعدم وقوع تجاوزات في عملية الاقتراع بعد الانتهاء من إعادة فرز جزئي للأصوات كانت قد قاطعته المعارضة.
وبعد ستة اشهر من الاقتراع مازال المعارضون يغتنمون الفرصة في كل التظاهرات الرسمية للنزول إلى الشوارع وترديد شعارات معادية لأحمدي نجاد مثل “أعيدوا لنا الأصوات المسروقة” …
فوز نجاد يرعب قادة العالم ويشتت مواقفهم…
بدا ذلك جليا من خلال ردود الأفعال التي جاءت مشككة في فوز أحمدي نجاد بولاية ثانية، كما بدت مواقف القوى الكبرى في العالم مقسمة إلى شطرين، فبينما انتقد رئيس فرنسا نيكولا ساركوزي النتائج واعتبرها مزورة، رحب قادة روسيا والصين بدعوة نجاد إلى قمة إقليمية.
أما الرئيس الأميركي باراك أوباما فقد واجه ضغوطا محلية لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه نتائج الانتخابات، فتوجه إلى الحكومة الإيرانية في شبه خطاب يحثها فيه على “الاستماع إلى صوت الشعب، لا قمعه”، في إشارة إلى تعاطي الحكومة الإيرانية مع الاحتجاجات.
أما الاتحاد الأوروبي فقد كان صريحا في التعبير عن قلقه العميق حيال استخدام القوة في الانتخابات، وهو ما أدانته الحكومة الإيرانية ووصفته بتدخل سافر للاتحاد وإهانة لإيران.
رغم الضغوط..إيران تمضي في برنامجها النووي
بدليل آخر ما أعلن عنه احمدي نجاد حول بناء عشرة مراكز جديدة لتخصيب اليورانيوم، مؤكدا استحالة عزل إيران بفرض عقوبات.

هذا التأكيد، الذي قوبل بالاحتجاج حتى داخل النظام حيث علت أصوات عدة مثل صوت رفسنجاني لتطلق صرخة إنذار من مخاطر “إجماع دولي” ضد إيران، داعية المرشد الأعلى لـ”لإعادة إرساء الوحدة”، أي ما يعني بشكل واضح وقف صعود احمدي نجاد نحو سلطة بلا منازع.
بالإضافة إلى التجربة الناجحة التي قامت بها إيران بإطلاق صاروخ بعيد المدى، “سجيل 2″ المعدل، والمتمتع بمدى أبعد من صاروخ شهاب، الذي قال مسؤولون إيرانيون في السابق إن مداه قد يصل إلى 2000 كيلومتر، وهو إعلان من المرجح أن يزيد من حدة التوتر مع الغرب.
وقال وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي إن من الممكن إطلاق الصاروخ بسرعة كما أنه يتمتع بالقدرة على المناورة أكثر من النسخة التي جرها اختبارها سابقا.
ومن شأن هذا التطور أن يضع إسرائيل والقواعد الأمريكية في الخليج في مرمى العسكرية الإيرانية.
ولكل هذه المعطيات يعتبر الملاحظون أن إيران مقدمة في السنة الجديدة 2010 على مخاطر جمة تهدد وحدتها الداخلية ووضعها بين الأمم.
ويشتبه الغربيون، بالرغم من نفي طهران تكرارا، بان تكون إيران تسعى لاقتناء السلاح الذري من وراء برنامجها النووي، وقد تخلت روسيا والصين اللتان تدعمانها تقليديا على الساحة الدولية عنها في هذه القضية بتصويتهما مع هذه الإدانة.
و كانت الحكومة الإيرانية وعلى لسان وزير خارجيتها منوشهر متكي قد أعربت عن استعدادها لبحث مقترحات القوى الكبرى من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن تبادل اليورانيوم الضعيف التخصيب وتسوية الأزمة بين طهران والغربيين في شأن الملف النووي.
كما صرح رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني إنه لازال يمكن حل المسألة النووية لبلاده “دبلوماسيا”، بعد أن أعلنت طهران خططا لبناء عشر منشآت نووية جديدة.
وقال إنه هكذا سيتضح للقوى الدولية أن برنامج إيران النووي “سلمي” في طبيعته.
يأتي ذلك بعدما انتقدت الدول الكبرى بشدة إعلان إيران اعتزامها بناء عشر منشآت نووية جديدة لتخصيب اليورانيوم، كما عبرت الحكومتان البريطانية والألمانية عن قلق بلادهما إزاء الخطط الإيرانية الجديدة.
وكانت وسائل الإعلام الرسمية قد ذكرت أن الحكومة الإيرانية طلبت من الوكالة الذرية الإيرانية بدء أعمال البناء في خمسة مواقع تم تحديدها وطالبتها بتحديد خمسة مواقع أخرى لمنشآت جديدة خلال الشهرين المقبلين.
وتأتي هذه الخطوة بعد قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل أيام والذي ينتقد إيران ويدعوها إلى وقف برنامجها للتخصيب.