تحليل فصل
"
الوجدان"
تمهيد:
إذا كان القسم الأول من المؤلف قد شكل
البناء الأولى لشخصية إدريس في مختلف الجوانب النفسية و الثقافية،
والاجتماعية و السياسية فإن القسم الثاني سيهتم بهذه الجوانب ---- تمظهر
جديد -------داخل فضاء آخر (فرنسا) ، و نموها من خلال مجموعة من المواقف،
القسم الثاني جسد نفسية إدريس في المغرب و القسم------
دلالة العنوان:
الوجدان
في المفهوم النفسي يتعلق برغبات الشخص الذي يبديها او يكتبها اتجاه مجموعة
من القيم أو الأشخاص و هنا نتوقع أن يتناولها الفصل جانباً مهماً كما هو
الشأن في فصل العائلة يتناول الجانب النفسي لإدريس و هو ما زال صغيراً أي
أنه لم تتشكل رغباته تجاه الجنس الآخر إلا في لحظات عابرة أما في فصل
الوجدان فسنجد جانباً نفسياً يبرز مرحلة الشباب و بالتالي فالجنس الآخر
سيحضر بقوة و سنجد كلمة الوجدان تلخص مشاعر إدريس تجاه المرأة.
الدلالة
العامة للفصل:
يظهر الفصل كما يبين الأستاذ إدريس الناقوري معاناة إدريس
و شعوره بالإزدواجية بين أصولية الدينية و الثقافية و بين محيطه الجديد
حيث تظهر هذه الأزمة في أوجها عند الحديث عن العلاقة بالمرأة و تصور إدريس
لقيمة الحب.
قضايا الفصل:
يتضح بأن الجانب العاطفي هو المهيمن.
و
من أهم هذه القضايا التي تناولها الراوي في هذا الفصل هي:
- سفر إدريس
إلى فرنسا و تغيره الفكري و النفسي الذي سنلمسه من خلال القطعة التي كتبها
إدريس و التي تحكي عن قصة خيالية. إن هذا ما لقطعة خيالية ستجعل شعيب
يربطها بحالة إدريس العاطفية و هكذا سيتم ربط الفتاة "مرجانة" و يمكن أن
نردها إلى الحكايات المخصصة للأطفال التي قرآها إدريس و تأثر بها و وجدها
غير معبرة عن أحاسيسه تجاه المرأة و الحب، فقصة الأمير الذي كان يبحث عن
فتاة فقدت حداءها.
- يبين هذا الفصل الرؤية إلى المرأة في الحياة
الثقافية
- يصور هذا الفصل طبيعة الانتقال عند إدريس الذي يتأسس على
الإحساس بقيمة الجماعة.
يحلل هذا الفصل عملية إبداعية التي تتكون من
أمرين:
الأمر الأول: تأثر المبدع إدريس بالكتب السابقة
الأمر
الثاني: العناصر الجديدة هي التي تبني ذات الكاتب و تحدد بصماته و اختلافه
على الآخرين، إن هذا الفصل يشكل وثيقة تبين طبيعة الحياة التي كان يعيشهـا
شباب المغـاربة بفرنسـا و تعارضها مع الاستقامة التي عرف بها إدريس فهؤلاء
كانوا مهتمين بالمتعة الظرفية الآنية كالخمر، و الملاهي، و النساء، و
إهمالهم الدراسة و ما يثير الاستغراب هو أن هذه الفئة الأخيرة هي التي
ستحتل مناصب هامة في دواليب الدولة "مغرب الاستقلال".
يعمق هذا الفصل
طبيعة رؤية إدريس إلى المرأة و بالتالي إلى عاطفة الحب، فإنه يريد أن يرصد
ملامح علاقة وجدانية لا توجد على أرض الواقع و بهذا نفسر فشله العاطفي.
ففي
فترة إلتقائه بفتاة لمدة وجيزة و لحظات عابرة شعر إزاءها بالغرابة كأن تلك
القتاة لا تشبه باقي البنات و في لحظات أخرى يفشل في عقد موعد مع فتاة لم
تأتي نتيجة أن قيمة الحب تتعاظم في رصد مواصفات للمرأة غير تلك التي توجد
فيها و الحلم بشيء لن يتحقق و هنا تنطبع نظرة إدريس إلى المرأة بطابع
وجداني.
كان إدريس يعيش صراعاً رهيباً مرده إلى تلك الشروط التي يضـعها
إدريس بالفتاة المثاليـة و التي ينسجها خياله عن كل فتاة و إن رآها دون أن
يكلمها و في تجربة لم يستطع التصريح لها لأنه يؤمن بتصور خاص.
إنها تشكل
صراعاً بين الكيان (الصراع بين الشهوة و الوجدان)، لكن الإختيار سيتم بفعل
الإلتزام السياسي و هكذا يحتقر إدريس الشهوة و اللذة و يحكم عليها
بالخسارة لأنه أراد أن يرسم لنفسه حباً فوق العالم، و أرقى من اللذة.
يعيش
إدريس صراعاً من نوع آخر منبثق عن الصراع الأول في الوسـط الـذي عـاش فيه و
زمنه (القرن 20) يحتمان عليه الإنصياع وراء الملذات و الحب كما يفهمه
الباريسيون، و بين المرجعية الإسلامية المحافظة و يحاول دائماً أن يبين مدى
إلتزامه بهذه الأخـيرة، و يرجـع إدريـس و الرواة سبب فشله في علاقة الحب
إلى هامشية حضور المرأة في العالم العربي الإسلامي و ذلك أن المجتمع و قيمه
ينظر إلى أوربا بأنها فاقدة للحشمة، بينما ينظر الأوربيون إلى المجتمع
الإسلامي بأنه مجتمع متخلف تغيب ثقافة الحب ذلك أنه في اوربا يظهر الحب في
كل شيء، و منها النظرة المتحرر للمرأة.
الأبعاد العامة للفصل:
يهيمن
على الفصل حضور البعد النفسي الذي يصور لنا إدريس المثالي الرومنسي من خلال
التطرق إلى علاقته بالمرأة و تصوره للحب و لعل فشل إدريس في ربط علاقة
حقيقية مع المرأة يرجع إلى هذين الإعتبارين و مع ذلك انه أمكن الحكم على
إدريس بأنه يريد أن يتفرد عن الآخرين حتى في مجال العاطفة و هكذا يعتبر
استمرارية لنزوعه نحو الذاتية كما أن هذا الفصل لا يخلو من بعد سياسي،
يعتبر إدريس السبب في فشله العاطفي و من هنا نجدنا أمام تعاطف إدريس مع
العمال في محنتهم داخل مناجم الفوسفاط، و مع الملك (محمد الخامس) الذي
يحارب من أجل مغرب مستقل و متطور أما بالنسبة للبعد الفكري فنجده من خلال
تصورات لإدريس بعاطفة الحب و المرجعيات المتحكمة لذلك.